Cinque Terre
Cinque Terre
Cinque Terre
مركز حسن بن محمد للدراسات التاريخية























ندوة الخط المكي في القرون الثلاثة الأولى للهجرة أساس الخطوط الموزونة (7 نوفمبر 2015)

نظم المركز ندوة تعرض فيها خبير الخط والمخطوطات والآثار والفنون الإسلامية الأستاذ العلامة يوسف ذنون لبدايات انتشار الخط العربي في مكة المكرمة، ذلك الخط الذي عرف باسمها فقيل "القلم المكي" أي الخط المكي؛ حيث عرف ببدايات الخط العربي الذي صحب نزول القرآن الكريم، والخطوط التي سادت في القرون الثلاثة الأولى للهجرة، التي انطلقت من مكة المكرمة في عهد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم باسم الخط المكي، فهو أول الخطوط العربية، وكان يتبع في رسمه أسلوبين:
الأول في كتابة المصاحف الذي ساد بجمالية عليّة وتطور جلالي، تحسن فيه، وساد ثلاثة قرون بشكل محسن ونظام جميل، ولم ينحسر إلا بعد أن برزت خطوط أخرى على رأسها "الكتابة المنسوبة"، بزيادة خط الثلث.
أما الثاني فهو الكتابات اليومية في كافة نواحي المتطلبات الأساسية التي دعت إليها الحاجة السريعة في كتابات أمور الدولة الإسلامية، والأمور العامة في المكاتبات والعهود والعقود، وغير ذلك، وقد أطلق عليه "المشق"، وعرف بأنه الكتابة السريعة للحاجات الآنية.
وقد جرى التركيز على كتابة المصاحف بالخط المكي واتخذ مسارين خلال القرن الأول والثاني. الأول في رسم الحروف التي أجريت العناية الفائقة بها وعرف الخط المكي باللفة المائلة إلى اليمين بعدها تعوجة إلى اليمين أيضًا، وساد أول الأمر في مكة المكرمة ثم انتقل إلى المدينة المنورة مع هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم الذي عمل على نشره في المدينة أيضًا عن طريق أسرى معركة بدر، وكذلك عن طريق تعيين معلمين له من المكيين اشتهر منهم عبادة بن الصامت وعبد الله بن سعيد بن العاص.
وفي المدينة المنورة جرى تعديل الألف وما شابهها في تجديد المسجد النبوي من قبل الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه فاستقر الخط المكي على شكل الألف الجديدة فيما تلى من القرون، وعرف الخط الذي كتب به "بخط المصاحف" أو "الخط المحقق" وربما أخذ أسماء أخرى، ولكنه احتفظ بخصائص الخط المكي الذي سار على نسق ووزن ونظام معين وخطة محرفة قليلا، وتم ذلك باستعمال الكتابة المكية في كتابة الآيات الكريمة على جدار قبلة المسجد النبوي من قبل من يوصف بحسن الخط وهو خالد بن أبي الهباج، فقد خط جدار القبلة بآيات قرآنية تبدأ من سورة "الشمس وضحاها" إلى سورة "الناس"، وقيل معهم "الفاتحة"، وقد أطلق على الخط المكتوب بطريقة الفسيفساء الذهبية على أرضية زرقاء "الخط الجليل الشامي" على العمائر، واستعمل في كتابة المصاحف فأطلق عليه المتأخرون "الجليل المبسوط" وبه كتبت أغلب المصاحف التاريخية التي وصلتنا من القرون الثلاثة الأولى.
صحب هذا المسار القرآني إضافة وليس تطورًا، وهو العلامات التي ضبطت القراءة القر آنية، أولا في الحركات التي وضعها أبو الأسود الدؤلي (ت 69هـ) وهي نقاط حمراء للفتحة والكسرة والضمة والتنوين، ثم أعقب ذلك نقاط الإعجام وخاصة إعجام يحيى بن أبي يعمر العدواني (ت 90هـ) ونصر بن عاصم الليثي (ت 89ه) في زمن الحجاج بن يوسف الثقفي والي العراق، وذلك سنة 75هـ.
وجاء بعدهم الخليل بن أحمد الفراهيدي (ت 135هـ) فوضع أشكالا جديدة للضبط اللغوي بالإضافة لبعض علامات الضبط الإقرائي، ولكنها لم تستعمل مع الخط المكي في القرون الثلاثة الأولى، ولكنها سادت بعد ذلك إلى يومنا هذا، وهي التي لازلنا نستعملها في كتاباتنا اليوم.
أما مسار الخط السريع "المشق" فقد كان لينًا بعكس الخط المكي الذي كان مبسوطًا، لذلك تطور بعد ذلك في نهاية القرن الثاني والثالث إلى الخطوط التي سميت "الكتابة المنسوبة" وعلى رأسها خطوط: الثلث، والمحقق، والنسخ، والريحان، والتواقيع، والرقاع، والتي ساد بعضها إلى الوقت الحاضر.
وتعرضت الندوة لبعض المصطلحات التي تحتاج إلى إعادة نظر في مدلولها، منها مصطلح الخط الكوفي، الذي يطلق على الخطوط الموزونة والمعروفة بأصلها المكي؛ فالواقع يشير إلى أن الكوفة قد لا يكون لها دخل في تطور الخط، وجاءت هذه التسمية في القرن السابع الهجري وما بعدها، وكان إطلاقها نتيجة عدم المعرفة الدقيقة لأسماء الخطوط في عصورها المختلفة، ولذلك قيل في هذه "الخط الذي يسمى في زماننا بالخط الكوفي"، كذلك تطرق المحاضر لما أثير مؤخرًا عن المخطوطة المكتشفة للقرآن الكريم، والمعروفة باسم "مصحف جامعة برمنجهام"، وتناولها بالمقارنة مع خطوط مصاحف القرون الثلاثة الأولى، ليذهب إلى أنها ليست من القرن الأول الهجري على أقل تقدير.
كذلك سعى المحاضر إلى التأكيد على أنه لا وجود لخط في المصادر التاريخية اسمه "الخط الحجازي" وإنما هي تسمية أطلقها المستشرقون نتجت عن عدم إلمامهم بأنواع الخطوط العربية؛ شأنهم في ذلك شأن إطلاق خط النسخ على خط الثلث.
وعقب عليها الأستاذ الدكتور جمال محمود حجر أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة الإسكندرية؛ حيث أشاد باستعراض الباحث لتطور الخط المكي، وأثنى على جهوده في التعريف بالموضوع، والطرح الجيد، والتناول الموضوعي المنهجي الصحيح.